زنا المحارم هو زنا الأقارب ويشتمل على أنواع الإيذاء الجنسي العلنية الصريحة والسرية الخفية والوجدانية. لكني أفرق بين التحرش وزنا الأقارب. فالتحرش إيذاء جنسي يقوم به غريب.
لكن تأثير كلاهما يمكن أن يكون واحد ومتساوي في تدميره.
لكن زنا الأقارب يكون دائماً الباعث على الإحساس بأكبر قدر ممكن من الخجل والخزي من بين كل أنواع وأشكال العنف. فالموضوع لا يحتاج إلا إلى أقل قدر من زنا الأقارب لينتج إحساس بالخزي أكبر من أي نوع آخر من أنواع الإيذاء. فجميع أنواع الإيذاء تتضمن بعض الإحساس بالخزي بسبب ما فعله بالضحية وأنتهاكه للحدود الجسدية. لكن زنا الأقارب به عنصر آخر إضافي وهو الخيانة من الأشخاص الذين من المفروض أن يكونوا محبين ومراعين.
زنا الأقارب، مثل كل إيذاء يُفعل لأطفال غير ناضجين فهماً وإدراكاً، لديه التأثير القوي المقنع على الأطفال بأن ما حدث كان خطئهم. فلا يوجد طفل يمكن أن يفكر أن والديه سيئين. فبما أنه لا يمكن أن يكون بابا سيئ ويشعر الطفل بالسوء والقرف والاشمئزاز. من هنا، لابد أن يكون الطفل هو السيئ.
من المؤكد أن الأطفال يشعرون بالسوء لعيشهم في عائلات ذات سلوكيات قهرية لكنهم أدراكياً لا يستطيعون أستيعاب أن والديهم مرضى بالإدمان. فالطفل يحتاج إلى والديه للبقاء. كما يجعل الأطفال أيضا والديهم يتغلغلون ويرسبون داخلهم وهم في أسوء أحوالهم. بمعنى أنه حين يتصرف الوالد بطريقة مهددة جداً لبقاء الطفل فأن الطفل يسجل هذا بأقصى قوة وحيوية. فسخط سكر الأب وعنفه الخارج عن السيطرة أكثر خطورة على البقاء من توبيخ الأم اللفظي. فيتكيف الطفل مع التهديد ويجعله يتغلغل داخله ويرسب في أعماقه من أجل التمكن من البقاء.
إن زنا الأقارب يعبر بأكبر طريقة درامية عن تراجيديا الطفل المهجور. فزنا الأقارب شكل من أشكال العنف- انتهاك جنس الطفل. وهذا يعادل انتهاكاً لكيان المرء ذاته، بما أن جنس المرء ليس شيئاً يمتلكه بل هو كيانه.
إن دراما زنا الأقارب تُلعب على مسرح ثقة الطفل البريء الساذجة. ويتم تزويدها بالوقود من الإحساس الطبيعي للاحترام والرغبة في الإرضاء. وتصل إلى أقصي مراحلها في النظر إلى الوالدين واعتبارهم مثإلىين على حساب تمزيق الذات وقتل النفس التي لن تعود إلى ما كانت عليه أبداً. فلا عجب من أن حظر وتحريم زنا الأقارب موجود في كل المجتمعات الإنسانية.
الانفصال والتفكك
يركز زنا الأقارب بوضوح على المشكلة العظمى للهجر. وهذه المشكلة يمكن التعبير عنها بانفصال بين فعل الأذى الذي تحول فيه الطفل إلى ضحية ورد الفعل أو التجاوب مع هذا الفعل. ولأن الانتهاك عميق ويصعب فهمه جداً، يكون الدفاع بنفس الدرجة من العمق وصعوبة الفهم. وتعبيري الموجز عنه هو "التخدير اللحظي المباشر". أما الكلمة التقنية فهي "الانفصال". ففي الانفصال يذهب الضحية بعيداً حرفياً. فالأذى لا يمكن تحمله على الإطلاق لدرجة أن الضحية يغادر جسده.
وفي النهاية يفقدون الاتصال بالذكريات الخاصة بما حدث. وهذا هو سبب صعوبة التعامل مع زنا الأقارب في كثير من الأحيان. فكثيراً ما لا يكون الناجون ذكريات واعية بما حدث. كما أنه سبب صعوبة مقاضاة المعتدون. فالطفل مذعور ومرتعب يتشاحن مع محامي بالغ على منصة الشهادة، من المؤكد أنه سيخسر تماماً.
من حسن الحظ أن جسد الضحية لا يحتفظ بالمشاعر الخاصة بما حدث. فأجساد الذكريات هذه هي التي تسمح بالعمل المُشفي المدعو باستخلاص المعلومات أن يحدث في العلاج. فعملية استخلاص المعلومات هي عملية الاتصال الذهني بالذكريات والمشاعر. ولأن الذكريات منفصلة عن المشاعر، ولأن المشاعر شديدة الحدة والقوة، فأن الضحية يختبر الحياة على أنها غير واقعية. ويشعر الضحايا بالجنون. ويعتقدون أن شيء ما خطأ بهم. فقد فقدوا الاتصال بما حدث لهم.
يتبع...